إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 11 أغسطس 2019

من الفصل السادس عشر من كتاب قدمت أعذاري بعنوان / النشيد العظيم #عبد_الوهاب_مطاوع

حين أديت فريضة الحج منذ سنوات أذكر أنني في أيام رمي الجمرات بمنى كنت مع من معي ننتظر مغيب الشمس حين تنخفض درجة الحرارة اللاهبة بعض الشيء فنخرج من البيت الذي نقيم فيه ونتوجه وسط زحام الحجيج الذين جاءوا من كل مكان , لنرمي الجمرات على الشاهد الذي يرمز للشيطان الرجيم ونرجع من حيث جئنا , وفعلنا ذلك في اليوم الأول والثاني وجاء اليوم الثالث وكانت الحرارة فيه كالسعير ..و "الأرض " تنفث لهبا ..والشمس تصب شرراً حارقا , فاعتصمنا بالبيت طوال النهار نؤدي صلاتنا وننتظر مغيب الشمس آخذين بالرخصة والتيسير الذي يسره علينا علماؤنا الأجلاء مؤكدين جواز الرمي في أي وقت من الليل والنهار ,ومن الفجر إلى الفجر , لكن الكثيرين كانوا كعهدهم منذ قديم الزمان يفضلون أن يخرجوا للرمي عقب صلاة الظهر في عز الشمس الصاعقة طلبا لمزيد من الأجر والثواب ولأن الرسول الكريم قد رمى في ذلك الوقت من النهار , وكنت قد فرغت من صلاة الظهر حين ناداني رفيق من رفاق الحج لأنظر من نافذة خلفية إلى الجسر الذي يؤدي إلى مكان الرمي واعدا إياي بأنني سأرى مشهداً يقشعر له جسمي , وتبعته إلى حيث قادني واعتليت النافذة ونظرت فإذا برجفة تسري في بدني ..وإذا بي أجدني أهتف بغير وعي , وفيما يشبه الهستريا : سبحان الله العظيم ..سبحان الله العظيم ..ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ..فقنا عذاب النار , وأكرر هتافي بلا وعي .
حتى جاء الإخوان وأطلوا إلى جواري من النافذة ..فلم يجد كل منهم ما يعبر به عما رآه سوى ما صدر عني تلقائيا من تسبيح بعظمة الخالق وعلوه جل شأنه ..

فلقد رأيت بحرا من البشر في بياض الثياب لو رششت عليهم الملح من طائرة لما سقط بين أجسامهم إلى الأرض , يسعون في اللهيب الحارق إلى مكان رمي الجمار معرضين أنفسهم للهلاك بضربة الشمس لينالوا سبق الرمي في وقت الفضيلة ..ويقع منهم من يقع مغشيا عليه من الحر والإجهاد ..ويقع منهم من يقع مصروعا بضربة الشمس فلا تحميهم مظلة يرفعونها فوق الرؤوس من اللهب الحارق ..ولا يمنعهم حر ولا خوف من الهلاك ولا يردهم تحذير الأطباء ..لا رجاء علماء الدين لهم بألا يشقُّوا على أنفسهم بالرمي في هذا الوقت من النهار

والفضليات والأفاضل من الحجيج المقيمين في بعض الدور المطلة على الطريق يقفون في النوافذ والشرفات يفتحون على الساعين إلى الرمي والعائدين منه زجاجات المياه المثلجة عسى أن تسقط المياه على رؤوسهم فتبرد بعض لظاهم .. ويلقون إليهم بزجاجات المياه الغازية والعصائر والمياه المثلجة عسى أن ينقذهم ذلك من الجفاف والهلاك , وأصحاب الفضل من بعض السراة قد جاءوا بعربات الثلاجات الكبيرة مكتوبا على كل منها : سقاية فلان ابن فلان راجي عفو ربه , وهي ممتلئة عن آخرها بعلب العصائر وزجاجات المياه المعدنية المثلجة ..يلقون بها إلى الحجيج جُزافا ويحثونهم بل ويتوسلون إليهم فيما يشبه الرجاء أن يشربوها ليعوضوا أجسامهم ما فقدته من سوائل قبل أن تحل بهم غشية الجفاف , فمن سقط منهم على الأرض منهارا رشوه بالمياه المثلجة ..ورفعوا رأسه ليُعينوه على شرب العصائر وهم يحدبون عليه ..ويشجعونه ..ويعينونه على أمره ..والقادم إلى رمي الجمار ومعه زجاجة مياه يبادر العائد المجهد منه بنضح الماء في وجهه وعلى رأسه بغير طلب منه , ويقدم له ما معه من مياه ليشربه وهو يعلم أنه قد يحتاج إليه , فكان هذا المشهد المؤثر هو الذي أطلق لساني رغما عني بعبارة التسبيح فيما يشبه الذهول .

📚
من الفصل السادس عشر من كتاب قدمت أعذاري بعنوان / النشيد العظيم
#عبد_الوهاب_مطاوع

رابط مدونة الصفحة المخصصة لنشر بريد الجمعة والمقالات
http://abdelwahabmotawe.blogspot.com
حساب الصفحة على انستجرام
https://www.instagram.com/abdelwahabmetawe
حساب الصفحة على تويتر
https://twitter.com/abdelwahabmetaw

Admin🔹#Neveen_Ali

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق