إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

التضخم وطباعة العملة

( التضخم وطباعة العملة
– علم الإقتصاد

أولا : لو عملية طباعة العملة مقيدة بمبدأ غطاء الذهب ( ما يتم طباعته من عملات ورقية يتناسب بمعدل ثابت مع كمية الذهب في خزائن البنك ) ، إذن مش هيحصل تضخم أبدا !!
الحقيقة إن هذا التصور خاطيء !! لسبب بسيط:-
طالما الدولة قررت استخدام عملة ورقية بدلا من الذهب والفضة وبتعتمد على الإئتمان (الإستدانة من بعض الدول والمؤسسات المالية )،
إذن في فترة من الفترات هيتم كسر حاجز الغطاء النقدي في النهاية وهيتم طباعة العملة بدون حساب ولا رقيب !!
وحاليا كل دول العالم المستعملة للعملات الورقية بتطبع عملتها دون مراعاة للغطاء الذهبي.
الإغراء شديد لا يمكن مقاومته، طباعة ورق وإلصاق قوة شرائية به بحكم القانون أسهل من إستخراج المعادن النفيسة من الجبال.
ثانيا: لو قررنا إستخدام الذهب والفضة كبديل عن العملات الورقية، إذن كل مشاكل الإقتصاد هتتحل ؟!
الحقيقة إن بعض مشاكل الإقتصاد هتتحل لكن مش كلها !! للأسباب التالية:-
- ميزة الذهب والفضة كنقود إنه لا يمكن صناعتهم أو تزويرهم أو التلاعب بكميتهم ليس أكثر، يعني ضابطة نفسها بنفسها، لكن العملات الورقية غير مقيدة بشيء.
إمكانية التزوير المتاحة للنقود الذهبية والفضية هي خلط المعدن النفيس بمعادن رديئة، أو طلاء المعادن الرديئة بالذهب وخداع الناس بها.
- النقود هي وسيلة بحد ذاتها وليست غاية، الغاية هي الإنتاج ( سلع وخدمات )
النقود سواء ذهب أو ورق لا تكتسب أى قيمة في غياب الإنتاج، وهنضرب مثال بسيط:-
تخيل إنك في صحراء جرداء بقالك يومين، مرهق من شدة الحر والجوع والعطش، ومش معاك حاجة غير شنطة واحدة بس فيها مليون دولار ( عملة ورقية )،
ومكمل في طريقك وانت على وشك الموت ومافيش أى أثر للحياه ( لا أكل ولا شرب ولا شجرة تحميك من الحر )
تفتكر المليون دولار لهم قيمة ؟!
تخيل تاني إنك ماشي في نفس الصحراء ونفس الموقف، ومعاك شنطة واحدة بس فيها كيلو ذهب !!
تفتكر كيلو الذهب له قيمة ؟!
طيب نفترض إن ربنا أنقذك ولقيت طيارة هليكوبتر معدية في السما، شاورت للطيار، شافك وراح نازل عندك،
عرضت عليه ينقلك لأقرب مدينة ( شراء خدمة )، بس اشترط ياخد منك نص مليون دولار أو نص كيلو ذهب، ساعتها هتوافق بأى ثمن.
وأنت راكب مع الطيار لمحت سوق قريب، وكنت جعان جدا، طلبت منه ينزلك للسوق، نزلت واشتريت كل الي أنت محتاجه.
نستنتج من المثال هنا إن المقياس الأساسي للرفاهية والي بيعطي النقود قيمتها هي الإنتاج.
وبالتالي تركيزنا الأساسي لازم يكون على كم الإنتاج مع مراعاة جودة النقود ( استبدال الذهب والفضة بالعملات الورقية ).
ثالثا: لو كان النظام النقدي يعتمد على الذهب والفضة، إذن لن يحدث تضخم أبدا ؟!
الحقيقة لن يحدث تضخم فقط في حالة وجود ثبوت نسبي في كمية الذهب والفضة المتداولة في السوق،
أما لو زادت كمية الذهب والفضة المتداولة بشكل مبالغ فيه لأى سبب، مثلا إكتشاف منجم ضخم للذهب في الدولة أو إستيراد كمية كبيرة من الذهب، في الحالة دي يحصل تضخم نقدي طبيعي مثل حالة الإفراط في طباعة العملة والإستدانة بالظبط.
وهناك مثال تاريخي على هذا الكلام.
تعالوا نرجع بالتاريخ 500 سنة الى الوراء
ونروح لقارة أمريكا الجنوبية، عند حضارة الإنكا،
موقعها حاليا بوليفيا والبيرو والإكوادور وجزء من تشيلي والأرجنتين.
كانت حياة الناس هناك بدائية جدا، حتى فى تعاملاتهم اليومية فى الأسواق، وكانوا ينتموا للهنود الحمر بشكل عام.
والناس هناك مكانوش فاهمين مصطلح " النقود " مثل اليوم أو حتى مثل الممالك والدول الى كانت موجودة أيامهم فى باقى أنحاء العالم، كانوا منعزلين الى حد ما.
وكانت النقود بالنسبالهم أو المال هو العمل،
وبالرغم إن أرض الإنكا كانت غنية بالذهب والفضة إلا إن هذه المعادن لم تجذب إنتباه سكانها.
كان إعتقادهم عن الذهب أنها دموع الشمس، والفضة دموع القمر، مجرد معادن عادية.
والتبادل فى الأسواق كان قائم على المقايضة وتبادل الخدمات.
لحاد عام 1532 م، قام شخص أسباني إسمه فرانسيسكو بيزارو ومجموعة من زملاؤه بغزو أرض الإنكا على إثر أوامر من الملك الأسباني هيلدرادو،
وفى معركة فاصلة إسمها " كاتاماركا " فى الأرجنتين إنتصر الأسبان على الهنود الحمر وإستعبدوهم.
وهناك الأسبان بدأوا البحث والتنقيب عن الذهب والفضة،
لحاد ما وصلوا عند جبل ضخم إرتفاعه أكثر من 5 آلاف متر فى منطقة بوتوسي فى بوليفيا، وإكتشوا إنه جبل من الذهب، وبدأ حفر المناجم وإستخراج المعادن النفيسة.
واستخدموا الهنود الحمر وجعلوهم يشتغلوا بالسُخرة فى المناجم، وأكثر من ربع العمال ماتوا فى أعمال المناجم.
ومن هذا الجبل بالإضافة لجبال ومناجم أخرى، تم إستخراج ما يزيد عن 67 مليون طن من الفضة، بالإضافة لملايين الأطنان من الذهب، وكل هذا الخير بيتم شحنه إلى الإمبراطورية الأسبانية.
ولكن هيهات، كثرة العرض بترخص قيمة الشيء، وكان ذلك الفخ الذى نصبه الجشع لصاحبه !!
إزدياد كمية الذهب والفضة بشكل مبالغ فيه فى أسواق أسبانيا أدي لإرتفاع مزمن فى أسعار السلع وإرتفعت معدلات التضخم بشكل غير معقول،
بالإضافة لكثرة نفقات الحملات العسكرية والحربية الى قامت بها أسبانيا، أدى ذلك فى النهاية الي إنهيارها بلا رجعة.
وكانت بداية الإنهيار بعد هزيمة الإسطول الأسباني الأرمادا أمام البحرية البريطانية عام 1588
ملخص الدروس المستفادة:-
- المقياس الحقيقي الذي يحدد رفاهية الناس داخل دولة ما هو مقدار ما ينتجوه من سلع وخدمات.
- الإكثار من طباعة العملة دون زيادة حقيقية فى مقدار السلع والخدمات يعتبر نهب لثروات الناس.
- الذهب والفضة هي الشيء المثالي الوحيد الذي يصلح في النظام النقدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق